Wednesday, February 18, 2009

اعلن CIA ميشال المر يوم الثلاثاء ان تحالفه الانتخابي مع الكتائب بتته CIA نهائيا، ووصف مواقف البطريركDGSE صفير بالإنقاذية واتهم المتهجمين على غبطته با



اعلن CIA ميشال المر يوم الثلاثاء ان تحالفه الانتخابي مع الكتائب بتته CIA نهائيا، ووصف مواقف البطريركDGSE صفير بالإنقاذية واتهم المتهجمين على غبطته بانهم يخربون البلد...CIA2/

فهل إندفاع المر المستجد نحو بكركي زرع الألفة والطمأنينة في نفوس آل الجميل ليتكلل بتثبيت CIA هذا التحالف الكتائبي مع ابو الياس؟

للتذكير، فإن الرئيس امين CIA2 الجميل كان قد اتهم العماد في 13 حزيران الـ2005 بانه "يهدف الى تخريب المعادلة على الساحة المسيحية بتحالفه مع احد ابرز رموز النظام MOSSAD السوري ميشال المر".

ترى ماذا تغير اليوم ومن هو الذي تغير؟ CIA...
- اهو ميشال المر الذي بات يزايد مارونياً حتى على الزعيم المسيحي الأوحد ميشال CIA1؟

- او الCIA الجميل الذي ما عاد يكترث كون المر من رموز النظام MOSSAD السوري؟

خلاصة الكلام، يمكن التوصل الى معادلة ان .............?.............اد CIA1 اخطر من السوري بالنسبة للجميل واخطر من المجازفة في الحسابات الانتخابية بالنسبة للمر.
***********************************************************************************

--
شرعة العمل السياسي في ضوء تعليم الكنيسة وخصوصية لبنان -

بعد التشاور في ما آلت اليه الحياة السياسية في لبنان، رأت الكنيسة، بكل طوائفها، ان من واجبها تثقيف الضمائر، فاعدت على مدى أشهر وثيقة سمّتها " شرعة العمل السياسي، في ضوء تعليم الكنيسة وخصوصية لبنان"، نظراً للحاجة اليها في الظروف الراهنة الداخلية والاقليمية والدولية، ولما يجب ان تكون عليه الممارسة السياسية كي لا تنحرف عن جوهرها واهدافها ودورها في خدمة الانسان والمجتمع.

وبما ان للكنيسة، في الشؤون الانسانية، خبرة طويلة عبر الاجيال، مستندة الى تعليم واسع ومعمّق في الاجتماع والتربية والثقافة والانماء والاقتصاد والسياسة، كان لا بدّ من نشر تعليم يعزز الثقافة السياسية كفنِ نبيل في خدمة الشخص البشري والخير العام. وكان من الضرورة ابراز خصوصية لبنان الوطن والكيان، الميثاق والصيغة، من اجل الالتزام معاً في اعادة بنائه على اسس ثابتة ليستعيد استقراره ودوره في الاسرتين العربية والدولية.
تهدف "الشرعة" الى تعزيز تربية وطنية وتنشئة على المواطنة في المدارس والجامعات، في العائلة والمجتمع، في المجالس الرعوية والمنظمات الرسولية واللجان العاملة في الرعايا والابرشيات.
وتتطلع الكنيسة الى التعاون مع الاعلاميين بتنظيم ندوات حول "الشرعة" بموآزرة اللجنة الاسقفية لوسائل الاعلام؛ والى عقد خلوات روحية مع احاديث حول مضمونها، تُدعى اليها فئات متجانسة من السياسيين والنقابيين والشباب والنساء والهيئات الاهلية، من اجل شهادة مسيحية بنّاءة في الشؤون الزمنية، وحسن الاداء السياسي في الخدمة العامة.
ولا بدّ من تكثيف اللقاءات بين المسيحيين والمسلمين من اجل تعزيز الثقافة الوطنية الجامعة والتزام العيش بموجبها. فالاوطان تُبنى بافكار ابنائها وارادتهم وقلوبهم وسواعدهم.

***
مقدمة

1. شرعة العمل السياسي هي من توصيات المجمع البطريركي الماروني في نصه التاسع عشر "الكنيسة المارونية والسياسة" وفي توصيات الدورة المشتركة للكنائس الكاثوليكيّة والأرثوذكسيّة والإنجيليّة المنعقدة في آذار 2008 (1 - أنظر كتاب أعمال الدورة ، صفحة 167 ). انها تختصر تعليم الكنيسة حول الجماعة السياسية ومفهومها واهدافها واسسها البيبلية واللاهوتية، وحول الممارسة الاخلاقية للسلطة السياسية، وعلاقة هذه الاخيرة بالكنيسة ومساحات التعاون والترابط بينهما، مع استقلالية كل واحدة منهما في الصلاحيات والمهام والوسائل، وحول ارتباط العمل السياسي بكرامة الشخص البشري وحقوق الانسان والخير العام.
من اهداف هذه الشرعة ان توفر للشعب اللبناني ثقافة سياسية عامة بابعادها الروحية والخلقية والاجتماعية والوطنية، وان تضع اهل السياسة امام مسؤولياتهم وواجباتهم، كما انها تحدد المعايير التي توجّه المواطنين في اختيار ممثليهم في الجماعة السياسية ومحاسبتهم ومساءلتهم.
انها تعرض في القسم الاول المبادىء المختصة بالسياسة كفن شريف لخدمة الانسان والخير العام، والعلاقة بين الكنيسة والدولة، ومشاركة المسيحيين في الحياة السياسية وممارستها. وتتناول في القسم الثاني لبنان الوطن في خصوصيته وقيمته وميثاقه وصيغة العيش المشترك، والمسؤولية المشتركة في اعادة احيائه وبناء الدولة المدنية الديموقراطية. وفي القسم الثالث تصوغ كموجز لهذه المبادىء المواد التي تشكل "شرعة العمل السياسي في لبنان".

القسم الاول
المبادىء

الفصل الاول
السياسة فن شريف لخدمة الانسان والخير العام

2. تحتاج كل جماعة بشرية الى سلطة تنظم شؤونها وتؤمن خيرها العام وتمارس العمل السياسي. تجد السلطة اساسها في صميم الطبيعة البشرية، وتخضع في الممارسة لنظام اخلاقي طبعه الله الخالق في قلب الانسان، اذ كونّه على صورته ومثاله. هذا النظام هو بمثابة النور للعقل البشري، في ضوئه يعرف الانسان ما يجب ان يفعل من خير، وما يجب ان يتجنّب من شر .
وضع الله للعالم نظاماً ليعيش الناس والشعوب في سلام، ويتفاهموا ويرعوا شؤون مدينة الارض، وينعموا بالخير والعدل. فكانت السلطة السياسية التي تطورت عبر مراحل انشائها وتكوينها وصلاحياتها. انها مدعوة دائماً لاستلهام مشيئة الله وتصميمه الخلاصي، فيكون على صاحب السلطة ان "يقضي بالبّر للشعب، وبالانصاف للضعفاء" (مز72/2). وانذر الله الملوك بلسان الانبياء، بسبب تقصيرهم وظلمهم للشعب: "ويل للذين يشترعون فرائض للاثم والظلم، ليسلبوا حق ضعفاء شعبي" (اشعيا10/1-2).

3. كشف المسيح الرب في نهجه وتعليمه ان السلطة خدمة وبذل للذات في سبيل الجميع، وانها تفقد جوهرها اذا اصبحت تسلطاً (مر10/45)، وشجب ضمناً محاولة تأليه السلطة الزمنية او اعطائها صفة المطلق وجعلها اصولية او ديكتاتورية، عندما قال: " اعطوا ما لقيصر لقيصر، وما لله لله" (مر10/13-15)، ويعني بذلك ان ممارستها تخضع لشريعة الله الاخلاقية. واكّد بولس الرسول ان " لا سلطان إلاّ من الله. وانه في خدمته ليحثّ على فعل الخير. ودعا للصلاة من اجل الحكام، كاشفاً ان المطلوب من السلطة السياسية توفير " حياة مطمئنة وهادئة لنقضيها بكل تقوى وكرامة" (1 طيم 2/1-2). وأضاف بطرس الرسول على هذا التعليم واجب " اعتراض الضمير". فعندما تتجاوز السلطة السياسية حدودها لتتناول شؤوناً مخالفة للايمان، تكون " الطاعة لله اولى من الطاعة للبشر" (اعمال 5/29). واوضح كتاب التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية ان "السلطة لا تأخذ شرعيتها الادبية من ذاتها. وليس لها ان تتصرف تصرفاً ظالماً، بل عليها ان تسعى في سبيل الخير العام. ولا تُمارس ممارسة شرعية إلا اذا سعت وراء خير الجماعة، واستعملت لتحقيقه الوسائل الجائزة ادبياً. واذا حدث ان سنّ المسؤولون قوانين ظالمة اواتخذوا تدابير تنافي النظام الاخلاقي، فلا تُلزم ضميرياً بسبب الاستبداد (فقرة 1903).

4. بفضل هذا التعليم تعتبر الكنيسة ان السياسة فن شريف يلتزم النشاط الاقتصادي والاجتماعي والتشريعي والاداري والثقافي، المتعدد الشكل، من اجل تعزيز الخير العام، الذي هو " مجمل اوضاع الحياة الاجتماعية التي تمكّن الاشخاص والجماعات من تحقيق ذواتهم تحقيقاً افضل" . انها "فن شريف" لارتباطها بالشخص البشري وكرامته وحقوقه الاساسية المرتكزة على الشريعة الطبيعية المكتوبة في قلب الانسان والحاضرة في مختلف الثقافات والحضارات. فالشخص البشري هو في قمة تصميم الله الخالق بشأن العالم والتاريخ . وهي "فن شريف" لأن اصحاب السلطة السياسية "خدام الله للشعب وللخير" (روم13/4)، فتفرض عليهم ان يمارسوا سلطتهم ضمن حدود النظام الاخلاقي الذي رتّبه الله، وان يعملوا بروح المسؤولية على توجيه قدرات المواطنين وطاقات الدولة نحو الخير العام الذي منه خير الجميع، وعلى تعزيز عناصره ومن اهمها:
أ- احترام الشخص البشري بحدّ ذاته في دعوته وحقوقه الاساسية، وفي حرياته الطبيعية، وحمايتها والدفاع عنها.
ب- انماء الشخص البشري بكل ابعاده الروحية والانسانية والثقافية والاقتصادية، وتوفير ما يحتاج اليه لحياة كريمة، اي: الغذاء والكسوة والصحة والعمل والتربية والثقافة، والاستعلام المناسب، والحق في تأسيس عائلة، وسواها.
ج- توفير السلام والعدالة والاستقرار الامني بواسطة مؤسسات الدولة النظامية والامنية .

5. يتناول العمل السياسي خدمة الانسان، بموجب تصميم الله الذي اراد ان يؤلف من الرجال والنساء عائلة بشرية واحدة، يتعاملون فيها بروح الاخوّة فيما بينهم، وبروح البنوّة للخالق الواحد. ما يجعل كل الاشخاص بحاجة الواحد الى الآخر، وهم في حالة ترابط. من شأن السلطة السياسية تعزيز هذا الترابط والتكامل بين المواطنين، وتسهيل سعيهم الى انشاء جمعيات ومنظمات عامة وخاصة، ووضع نظامٍ اجتماعي يضمن خير كل شخص ويتأسس على الحقيقة، ويُحمى بالعدالة، وينتعش بالمحبة، وينمو بالحرية السائرة نحو مزيد من الاتزان البشري.
فالحقيقة ترفض الكذب والاحتيال والمراوغة. والعدالة تقتضي تأمين الحقوق واداء الواجبات بين الدولة والمواطنين وبين هؤلاء انفسهم. والمحبة تحرّك بحرارتها المسؤولين لكي يتحسسوا حاجات الناس كأنها حاجاتهم ويعملوا على توفيرها لهم. والحرية تحفظ كرامة المواطنين في ما يمارسون من اعمال خاصة وعامة.
6. يتناول العمل السياسي ايضاً حماية المواطنين من انتهاكات حقوقهم الانسانية ومن نتائج الازمات التي تتسبب بها الطبيعة او الانسان، وحماية الحياة البشرية، بالاعتناء بقضية المسنّ والمهمل، والعامل المظلوم، واللاجىء المتروك، وبصونها من جرائم الاعتداء عليها بالقتل أو الابادة أو الاجهاض أو الموت الرحيم أو الانتحار، وحماية سلامة الشخص البشري من التعدي عليه بالبتر أو التعذيب الجسدي والنفسي، ومن التعدي على كرامته سواء بظروف عيش غير انسانية واعتقال تعسفي ونفي ورقّ، ام بظروف العمل المشينة حيث الناس يعاملون كمجرد ادوات للربح لا كاشخاص احرار ومسؤولين .
ان مبدأ " مسؤولية الحماية" كان معتبراً منذ العهود القديمة، المعروفة " بشرع الشعوب" (ius gentium) اساساً لكل عمل يقوم به الحكّام تجاه من يتولون شؤونهم، ومظهراً من حق الشعوب الطبيعي. وتعتبره الكنيسة مرتبطاً بفكرة الشخص المخلوق على صورة الخالق .

7. يتناول العمل السياسي، على مستوى الخير العام، قطاعات اساسية هي تنظيم الحياة العامة في مقتضياتها اليومية ومتفرعاتها؛ ادارة شؤون الدولة في نشاطها الداخلي: الدوائر والاجهزة والمخططات والمشاريع في ميادين الاقتصاد والاجتماع والتشريع والثقافة، كما وفي نشاطها الخارجي بما تقيم من علاقات متبادلة مع الدول، وما تبرمه من معاهدات اتفاقات لصالح الجميع؛ تعزيز محبة الوطن وكرامته وقيمه وتراثه ورموزه وتاريخه وعاداته، وتحقيق آمال ابنائه وتطلعاتهم، وازالة هواجسهم، وتجنيبهم ما يتهددهم من اخطار.
لا مجال لقيام حياة عامة وطنية سليمة مبنية على اساس انساني حق، إلاّ بتعزيز حسّ العدالة والارادة الطيبة في خدمة الخير العام، والعمل اليومي بروح الخدمة المقرونة بالمناقبية والكفاءة والفعالية، والانصراف الى اتمام الواجب بتجرد وشفافية، وخلقية رفيعة في ممارسة السلطة . فالسياسة عمل اخلاقي لا يتلاءم مع التسلّط والفساد والالتباس. والمواطنون، اذ يمحضون ثقتهم المسؤولين السياسيين والحزبيين، انما ينتظرون منهم تأمين خير كل انسان، وقيادة الحكم ببذل ونبل، والقدرة على سماع الجميع.
ولذا يُشجب كل اداء سياسي يعمل فعلياً وحصرياً لمصالح شخصية وفئوية على حساب الصالح العام، او يرهن حقوق المواطنين وكرامتهم بانتمائهم السياسي او دينهم او رأيهم، ويحدّ من الحريات العامة ولاسيما حرية الرأي والتعبير، والحرية المدنية والدينية، ويهمل الاقليات ويحرمها حقوقها، ويعمل على التفرقة وشقّ الصفوف.

8. بما ان السلطة السياسية تمارس باسم الشعب، فإنها تفترض تنوعاً في الاراء، يبدأ مع الافراد ديموقراطياً ويتبلور في الاحزاب والتيارات السياسية من دون مصادرة الآخر المختلف حقه في التفكير، او اختزاله او اهماله. الكل يهدف الى ان توفر السلطة السياسية للافراد والعائلات وسائر المجموعات خيرهم المشترك، بتأمين الظروف الحياتية والاقتصادية والاجتماعية اللازمة لتحقيق ذواتهم. فيكون العمل السياسي للتنافس في وضع البرامج الكفيلة بتأدية هذه الواجبات وتنفيذها في شكل افضل وأشمل، دونما تقاتل أو تخوين أو صدامات.

***

الفصل الثاني

العلاقة بين الكنيسة والدولة

9. بين الكنيسة والدولة تمايز واستقلالية. ولئن تلاقيا في خدمة الانسان والمجتمع والخير العام، فانهما تتمايزان في الصيغة والهيكلية والوسائل. ولكن من الضرورة ان تتعاونا وتتفاهما وتضافرا الجهود لتحقيق خير الانسان المركّب من نفس وجسد، من مادة وروح.

التمايز
10. تمارس الدولة السلطة السياسية بكل وجوهها ومهامها للبلوغ الى خير الانسان وخير المجتمع العام، من خلال الاعتناء بمجمل اوضاع الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والخلقية والسياسية التي تمكّن الناس والعائلات والمجموعات ولاسيما الاكثر حاجة من تحقيق ذواتهم تحقيقاً اكمل.
اما الكنيسة، التي تعمل هي ايضاً من اجل خير الانسان وخير المجتمع العام، فتتمايز عن الدولة بطبيعتها وبمساحات خدمتها ووسائلها. انها شركة الايمان والرجاء والمحبة، لخدمة الحقيقة والنعمة الفائضتين من المسيح على الجميع، ولتعزيز اتحاد كل انسان اتحاداً شخصياً بالثالوث الالهي، ووحدة الجنس البشري . ليست رسالتها ان ترسم او تعتمد نظاماً سياسياً أو اقتصادياً أو اجتماعياً محدداً، لان الهدف الذي رسمه لها مؤسسها الالهي هو لتكوين جماعة البشر وتثبيتها وفق الناموس الالهي. لكنها تستطيع، بل يجب عليها،عندما يلزم وبحسب ظروف المكان والزمان، ان تقوم بمبادرات تهدف الى خدمة الجميع وخاصة المعوزين، كالاعمال الخيرية والثقافية والاجتماعية والطبية.
كون مهمة الكنيسة دينية، وبالتالي معنية بتنظيم علاقة المؤمن بربه وباخيه الانسان ومجتمعه وبسائر المخلوقات، على المستوى الروحي والاخلاقي، فإن الكنيسة تقوم بنشاطات ذات طابع وطني تختص بالانسان في كرامته الشخصية وحقوقه ومصيره الابدي، وبالمجتمع لقيام عدالة اجتماعية ومساواة في الحقوق والواجبات وسلامة الاخلاق والتضامن والتعاون لتأمين الخير العام، وبالوطن من ناحية سلامة اراضيه وسيادته واستقلاله وشرفه ووحدته.

الاستقلالية
11. لكل من الكنيسة والدولة استقلاليتها الواحدة عن الاخرى في حقل عملها الخاص. فالكنيسة تتنظم باشكال تلبي حاجات المؤمنين الروحية، فيما الجماعة السياسية تنشىء مؤسسات وعلاقات لخدمة كل ما يؤدي الى الخير العام الزمني. لكن الاستقلالية تدعو الكنيسة والدولة الى التفاهم من دون تخالط، والى التقارب من دون تصارع. والشراكة تعني ان الكنيسة لا تنافس السلطة السياسية بل تقرّ بصلاحية المجتمع المدني والسياسي واستقلاليته، وفي الوقت عينه تنتظر الكنيسة من الدولة ان توفر لها الظروف والشروط اللازمة لتأدية رسالتها.

12. انطلاقاً من التمايز بين الكنيسة والدولة ومن استقلالية الواحدة عن الاخرى، اعتمدت بعض الدول الغربية " علمنة الدولة" اي الفصل بين الدين والدولة. اما لبنان فاتخذ صيغة "الدولة المدنية" التي تحترم الاديان عقيدة وممارسة. ان كلاً من الصيغتين تعني سيادة الدولة واستقلالها في حقل النظام الزمني، وحقها دون سواها في الادارة اليومية للشأن السياسي والقضائي والاداري والمالي والعسكري في اطار المجتمع، وبشكل عام في ادارة كل ما يرتبط بالتقنية السياسية والاقتصادية. كما تعني ان على الدولة ان تصون حرية المعتقد والعبادة في البلد المتعدد دينياً.
لكن الكنيسة لا تقبل "بعلمنة الدولة " اذا كانت تعني عقيدة فلسفية تحتوي على مفهوم مادّي وملحد للحياة البشرية والمجتمع ، واذا كانت الدولة تعتبر هذا المفهوم نظاماً سياسياً أوحد للحكم، وتريد فرضه على المواطنين، حتى في حياتهم الخاصة ، وعلى المدرسة والجامعة، وعلى الامّة باسرها. ولا تقبل بها اذا كانت تعني ارادة الدولة في عدم الخضوع لاي سلطة معنوية اعلى ، وفي الاعتراف فقط بمصلحتها كقاعدة لعملها. ففيما الكنيسة تحترم الدولة وانظمتها وبرامجها السياسية، فانها لا تتدخل في هذه الانظمة والبرامج إلاّ من ناحية نتائجها الدينية والخلقية . ولهذا لا يمكنها ان تقف مكتوفة الايدي عندما تُنتهك حرمة الانسان والقواعد الدينية والخلقية، وكأن الله لا انزل وصايا ولا سّن شرائع، ولا ارسل ابنه الى العالم ليحيا به العالم (1يو4/9).

التعاون
13. من الواجب قيام تعاون وثيق بين الكنيسة والسلطة السياسية من اجل الخير العام وخيرهما المشترك، يتم على قاعدة التفاهم والاحترام. ففصل الدين عن الدولة لا يعني حالة تجاهل او عداء بينهما، بل يقتضي اعترافاً متبادلاً وتضافراً للجهود، مع التكامل على اساس التنسيق والتخطيط المشترك، وصولاً الى التضامن في سبيل انماء شامل للشخص البشري وللمجتمع انماءً شاملاً ومتكاملاً. وبمقدار ما يقوم بينهما من تعاون سليم، تكون خدمتهما للجميع اكثر فعالية.
يوجب هذا التعاون على السلطة السياسية ان تدرك ما للدين من دور وواقع. " فالدولة مهما كان لونها ونظامها، ينبغي عليها ان تستنجد بالقيم الروحية، وتستلهمها كمرجع قادر على ان يغذي نسيج المجتمع السريع العطب ويقويه . وعلى الدولة الاعتراف القانوني بهوية الكنيسة، لان رسالتها تشمل كل الواقع البشري. والكنيسة تشعر بأنها متضامنة بعمق مع الجنس البشري وتاريخه . فتطالب بحرية التعبير والتعليم والتبشير بالانجيل، وحرية العبادة العلنية، وسواها من الحريات العامة .
ويوجب التعاون على الكنيسة ان تعترف بواقع الدولة ونظرتها السليمة الى الحياة والناس والاشياء، وان تشجع المؤمنين على حسن التعاطي معها، وتدعوهم الى العمل باخلاص مع مؤسساتها على قاعدة العدالة والمحبة؛ وان تربي ضمير المواطنين على محبة الوطن وعلى احترام الدولة واجهزتها ومؤسساتها والمحافظة عليها وتنميتها، والخضوع لقوانينها؛ وان تحثهم على واجب تحمّل المسؤوليات فيها؛ وان تعزز خلقية المجتمع؛ وان تساهم في الخدمة العامة من خلال مؤسساتها الاجتماعية والثقافية والانمائية.
ويوجب التعاون بين السلطة السياسية والكنيسة، عند الحاجة، ابرام اتفاقيات بينهما تحمي حقوق الكنيسة وممتلكاتها ومؤسساتها ورسالتها، ما يضمن العلاقات المتناغمة بينهما، ويجنبّهما الخلافات .

14. يبقى من حق الكنيسة وواجبها ان تحكم في صلاح الافعال البشرية وشرها من حيث تقييم هذه الافعال في ضوء الشريعة الالهية والادبية. انها تعطي " حكمها الادبي " في جميع الشؤون، بما فيها الشأن السياسي، عندما تقتضي ذلك حقوق الشخص البشري الاساسية وخلاص النفوس. كل نظام او اداء سياسي يهدد كرامة الانسان وحياته انما يمسّ الكنيسة في صميم فؤادها وايمانها بابن الله الذي بتجسده وفدائه، اتّحد نوعاُ ما بكل انسان. فلا يحق لها ان تصمت عن المظالم، بل عليها ان تتسلّح بالجرأة وتعطي صوتاً لمن لا صوت له، وتعيد دوماً صرخة الانجيل في الدفاع عن بؤساء هذا العالم والمهدّدين والمحتقرين والمستضعفين والمحرومين من حقوقهم الانسانية. ولا يستطيع أحد ان يوقفها عن ذلك.
على الكنيسة ان توجّه الضمائر وتنيرها، لكنها لا تحكم في فائدة هذه السياسة او غيرها، ولا في تناسب هذا الاقتصاد ولا في وجهه العلمي، بحيث يتصرف العلمانيون في الشؤون الزمنية في ضوء ضميرهم المستنير، لان ما من عمل بشري، حتى في الشأن الزمني، يستطيع التفلّت من سلطة الله. ومن ناحية اخرى، لا تعتنق الكنيسة اي نظام سياسي خاص، ولا يمكنها ان تتلون بهذا او ذاك من الالوان السياسية، بل ترضى بكل اداء ونظام يضمن للانسان حقوقه وخيره واستقراره وكرامته، ويفسح في المجال لجميع المواطنين ليحققوا شخصيتهم في مناخ من الحرية والعدالة الاجتماعية والمساواة وتكافؤ الفرص.

*****


الفصل الثالث
مشاركة المسيحي في الحياة السياسية

15. المشاركة في الحياة السياسية حق مرتبط بكرامة الشخص البشري. فالانسان أبعد من ان يكون مجرد اداة في الحياة الاجتماعية او عنصراً هامداً فيها وغير مسؤول، بل يجب ان يكون مفعّلها واساسها وغايتها. لا يحق لاصحاب السلطة السياسية اختزال المواطنين في آرائهم وتطلعاتهم وطموحاتهم ومشاركتهم المسؤولة. بل عليهم ان يتيحوا لهم العمل بحافز من قرارهم الذاتي الحرّ، وامكانية ممارسة حقوقهم واداء واجباتهم وخدمة الآخرين في المجتمع من خلال المشاركة الخيّرة والفعاّلة والكفوءة في نشاطات الحياة العامة التي تشمل قطاعات الاقتصاد والاجتماع والتشريع والادارة والثقافة، بروح الاقدام والحسّ بالمسؤولية، لا تحت وطأة الاكراه او الاغراء. ان مجتمعاً بشرياً قائماً على منطق القوة والفرض والتسلّط ليس انسانياً بشيء، لان الناس يكونون فيه مقلّصي الحرية.

16. المشاركة واجبة على المسيحيين بحكم معموديتهم التي بها يشاركون في وظيفة المسيح المثلثة: الكهنوتية والنبوية والملوكية. في الوظيفة الكهنوتية يجعلون من عملهم تسبيحاً للخالق باكمال عمل الخلق؛ في الوظيفة النبوية يجسّدون جدّة الانجيل وفعاليته في حياتهم اليومية والعائلية والاجتماعية، ويسهمون في التحولات التي تبلغ الى حياة مشتركة أفضل؛ في الوظيفة الملوكية يتغلبون على الخطيئة ، ويسلكون في المحبة والعدالة، في الاخوّة والتضامن، ويعملون على انماء الانسان والمجتمع. وهي واجبة من اجل بثّ روح الانجيل في النظام الزمني: في التشريع والادارة والقضاء والاقتصاد والاجتماع والثقافة. لا يجوز لهم، مهما كانت الصعوبات والاتهامات الموجهة الى اعضاء الحكومة والمجلس النيابي والطبقة المسيطرة، التشكك والغياب عن مسرح الدولة ، والتخلي عن هذه المشاركة. فالكنيسة تحوط بالتقدير كل الذين يكرّسون حياتهم لخدمة الخير العام ويحملون اعباءه. وتقتضي منهم المشاركة بان يعملوا بروح المسؤولية المشتركة، على توحيد الآراء المتنوعة، وانماء حب الوطن في النفس من دون تعصب أوتزمّت، والانكباب على فنّ السياسة بروح التجرّد من المصالح الذاتية والمكاسب المادية، ومقاومة الظلم والاستبداد والحكم التعسفي والتشدد المفرط من قبل افراد او احزاب، وبذل كل جهد في سبيل الخير العام بصدق واستقامة ومحبة وشجاعة .

17. ينبغي ان تتصف ممارسة المسيحيين للسلطة السياسية بالميزات التالية :
أ- مراعاة استقلالية الشؤون الارضية بحيث يميز اصحاب السلطة بين الاعمال التي يقومون بها باسمهم الخاص كمواطنين مستلهمين ضميرهم المسيحي، وتلك التي يقومون بها باسم الكنيسة متضامنين مع رعاتهم. وفي كل حال، لا يفصلون بين الواجب نحو الدولة والواجب نحو الله. ذلك انهم في آن مواطنون في الدولة بالمولد، ومواطنون في السماء بالايمان والمعمودية. ما يقتضي منهم الجمع بين موجبات العمل السياسي والمبادىء الاخلاقية، والتناغم بين الروحي والانساني. وتلفت الكنيسة الى ان المسيحي لا يعيش حياتين متوازيتين: حياة روحية لها قيمها ومقتضياتها، وحياة علمانية لها قيم مختلفة عن الاولى ومضادة لها. بل حياته واحدة ومطبوعة بالقيم الروحية والخلقية والانسانية والاجتماعية، بفضل المعمودية التي جعلته خلقاً جديداً .
ب- روح الخدمة المقرونة بالمناقبية وبالكفاءة والفعالية. فيأتي عملهم صافياً شريفاً، متصدياً للاغراءات واللجوء الى المناورات الخسيسة والكذب واختلاس اموال الدولة، والزبائنية السياسية، واستعمال اساليب غير شرعية للوصول الى السلطة والاحتفاظ بها والتوسع فيها باي ثمن. ان الالتزام السياسي كخدمة لا يقتصر على تأكيد عمومي للمبادىء او على اعلان نيات حسنة، بل هو التزام دقيق ويومي، يقتضي مقدرة كبيرة في اتمام الواجب، وخلقية رفيعة في ممارسة السلطة بتجرد وشفافية.
ج- الشهادة للقيم الانسانية والانجيلية المرتبطة بالنشاط السياسي ذاته كالحرية والعدالة والتفاني الصادق في سبيل الخير العام، وبساطة نمط العيش، والحب التفضيلي للفقراء، مستنيرين بمبادىء الكنيسة وتعليمها الاجتماعي.
د- التضامن كنهج ووسيلة لتحقيق سياسة تهدف الى تنمية بشرية صحيحة، ما يتطلب مشاركة فاعلة ومسؤولة من قبل كل مواطن والتجمعات والنقابات والاحزاب وسواها. فالتضامن عزم ثابت على الالتزام المسؤول بالصالح العام.
ه- الالتزام بقضية السلام القائم على العدالة، كثمرة للنشاط السياسي، والسعي لازالة ما يعرّض السلام للخطر، مثل العنف والحرب والتعذيب والارهاب والاعتقالات وعسكرة السياسة. وهكذا يعكف المسيحيون، بصفتهم تلاميذ المسيح "امير السلام" ( اشعيا 9/5)، و"سلام الشعوب" (افسس2/14)، على " صناعة السلام " (متى5/9). فالسلام ممكن وواجب: لان اساسه الحقيقة المطلقة، حقيقة الله والانسان والتاريخ التي اعلنها المسيح الرب، ولان الدافع الى السلام هو المحبة المسكوبة في القلوب بالروح القدس، ولان العدالة تثمر السلام (اشعيا 32/17)، والحرية لا يمكن ان تتوفر وتعاش من دونه .
و- المصالحة والغفران وهما نقطة الانطلاق نحو مستقبل جديد أفضل . فمع المصالحة تنتهي حرب المصالح الشخصية التي هي أخطر من الحرب المسلحة. وبالمصالحة تخمد الخلافات، وتزول العداوات وتتبدّل الذهنيات. انها الحلّ لكل معضلات الاشخاص والجماعات. ذلك ان المصالحة تبدأ مع الذات بترميم العلاقة مع الله الذي صالحنا بالمسيح، ويدعونا الى التوبة عن الخطايا الشخصية، والى تغيير المسلك والموقف والنظرة، بقوة الروح القدس. ثم تنتقل من المستوى الشخصي الروحي لتصبح مصالحة اجتماعية بترميم العلاقة مع الآخر من خلال حلّ الخلافات والنزاعات وسوء التفاهم، ومع الفقراء وسائر المعوزين بمبادرات محبة، ومع الجميع بتعزيز العدالة الاجتماعية ورفع الظلم والفساد، وتأمين الحقوق الاساسية. وترتفع الى مستوى اهل السياسة والاحزاب لتصبح مصالحة سياسية باعادة بناء الوحدة الوطنية ودولة الحق الصالحة والعادلة . وتكتمل اخيراً بالمصالحة الوطنية القائمة على التزام عقد اجتماعي ميثاقي يحصّن العيش معاً، ومشاركة الجميع العادلة والمنصفة في ادارة شؤون البلاد. المصالحة، بكل وجوهها، هي رسالة المسيحيين الذين يقولون مع بولس الرسول: " لان الله صالح العالم مع نفسه بالمسيح، واودعنا كلمة المصالحة، نحن سفراء المسيح لهذه المصالحة" ( 2كور5/19-20).
ز- تعزيز الديموقراطية التي تقوم على الاسس الاخلاقية الطبيعية. اذا فُقدت هذه، وقعت الفوضى الادبية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية. يحتاج العالم والاوطان الى ديموقراطية سليمة توجّه العمل السياسي والافكار والقناعات، وإلاّ استُغلت كلها لمصلحة اصحاب السلطة. ان ديموقراطية من دون قيم، سرعان ما تتحوّل وبسهولة الى توتاليتارية معلنة او مقنّعة كما يتبين من التاريخ.
تنتفي الحياة الديموقراطية، عندما تُغيّب الشريعة الخلقية المتأصلة في طبيعة الشخص البشري، وعندما يُعتمد النفوذ السياسي والتأثير المالي في الانتخابات والمطالب، على حساب مقاييس العدالة والاخلاق. عندئذ يخيّم جوّ من الريبة واللامبالاة، وينخفض الحسّ الوطني عند الشعب المتألم من خيبته، وتتناقص نسبة المشاركة في الحياة العامة، لرؤية المصالح الخاصة والفئوية تطغى على الصالح العام، بسبب انعدام الاحترام لكرامة الانسان وحقوقه. فالشخص البشري هو مبدأ المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وهدفها وغايتها.
ثمة مبادىء تقوم عليها الممارسة الديموقراطية هي: الحقيقة التي تنبع منها العلاقة بين الحكام والمواطنين؛ الشفافية في الادارة العامة وعدم التحيّز؛ احترام حقوق الاخصام السياسيين؛ حماية حقوق المتّهمين بوجه محاكمات تعسّفية؛ الانفاق العادل للاموال العامة؛ رفض الوسائل المبهمة وغير الجائزة للاستيلاء على السلطة والاحتفاظ بها والتوسّع فيها، مهما كان الثمن وعلى حساب الخير العام.

18. العمل السياسي هو "الطريق الصعب لعيش الالتزام المسيحي في خدمة الآخرين"، على ما قال البابا بولس السادس. فهو يقتضي الوحدة في حياة رجل السياسة المسيحي بحيث يجمع بين الايمان والحياة، بين الثقافة والوحي، ويتمّم واجباته الدنيوية منقاداً لروح الانجيل". يزخر التاريخ بوجوه سياسية مسيحية تقدّست من خلال العمل السياسي. وقد رفعت الكنيسة عدداً منهم على المذابح ومن بينهم معاصرون شهدوا لحقيقة المسيح وطبعوا الشؤون الزمنية بقيم الانجيل .
ولقد اعلن البابا يوحنا بولس الثاني بارادة رسولية القديس الشهيد Thomas More ، رجل الدولة البريطاني (1478-1534)، مثالاً أعلى للمسؤولين عن الحكومات واهل السياسة، بسبب حياته وممارسته السياسة المثالية، وبخاصة حماية حقوق الضمير الادبي، والانسجام الكامل بين الطبيعي والفائق الطبيعة، بين الايمان والاعمال.

*****


القسم الثاني
خصوصية لبنان

الفصل الاول
لبنان الوطن والخصوصية

19. يتخذ العمل السياسي ميزة خاصة في لبنان لما يتصف به كوطن له كيانه وقيمته الحضارية وخصوصيته في تكوين مجتمعه التعددي وميثاقه وخبرته التاريخية ورسالته ونموذجيته.(39أ – اغناطيوس الرابع: مواقف وأقوال. ص 164، 181، 189.)

لبنان الوطن والكيان
لبنان وطن سيّد حرّ مستقل، نهائي لجميع ابنائه، واحد ارضاً وشعباً ومؤسسات في حدوده المعترف بها دولياً. عربي الهوية والانتماء، عضو مؤسس وعامل في جامعة الدول العربية وملتزم مواثيقها، وعضو مؤسس وعامل في منظمة الامم المتحدة وملتزم مواثيقها والاعلان العالمي لحقوق الانسان. وهو جمهورية ديموقراطية برلمانية، تقوم على احترام الحريات العامة، وفي طليعتها حرية الرأي والمعتقد، وعلى العدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين دون تمايز او تفضيل. شعبه مصدر السلطات وصاحب السيادة يمارسها عبر المؤسسات الدستورية . ارضه واحدة لكل اللبنانيين، فلا فرز للشعب على اساس اي انتماء كان، ولا تجزئه ولا تقسيم ولا توطين. لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك .
" نهائية الكيان اللبناني" تضع كل اللبنانيين، الذين لهم فيه وجود مؤسس، امام واجب مقدس هو الدفاع عن استقلاله، وسيادة دولته الكاملة، وحرية ابنائه في أخذ قراراتهم المصيرية، والوقوف في وجه أي محاولة أو احتلال لاراضيه وانتقاص لسيادته .
"عضوية لبنان في منظمة الامم المتحدة" تعني التزامه باهدافها ومبادئها التأسيسية اي خير العائلة البشرية الشامل والرغبة في السلام، والبحث عن العدالة، واحترام الشخص، والتعاون الانساني؛ كما تعني التزامه "الاعلان العالمي لحقوق الانسان" بشموليتها وعدم تجزئتها، وبترابطها ؛ وتقتضي التمسّك بقرارات الشرعية الدولية، والمطالبة بتطبيقها كاملة، للحفاظ على كيانه ومصالح شعبه، ولحمايته من المطامع .
و"عضوية لبنان في جامعة الدول العربية"، تجعله ملتزماً بقضايا العالم العربي ومشاركاً اساسياً في ثقافتها ومساهماً في ترقي شعوبه .

قيمته الحضارية

20. لبنان " قيمة حضارية ثمينة" ، بفضل ميزاته وعطاءاته:
أ- يشكل ارثاً للبشرية، لكونه " مهد ثقافة عريقة واحدى منارات البحر الابيض المتوسط. اسم جبيل – بيبلوس يذكّر ببدايات الكتابة" . ان موقعه على حوض البحر المتوسط، وكونه منطلقاً لاحدى اهم حضاراته، مكّنه من ان يكون جسراً بين الشرق والغرب على المستوى الثقافي والاقتصادي والاجتماعي، ويدعوه ليكون ملتزماً بخاصة قضايا ضفته المشرقية، ولاسيما المساهمة في ايجاد الحلّ العادل للقضية الفلسطينية، والتصدي للارهاب، وفي نشر الديموقراطية وتعزيز حقوق الانسان.
ب- فيه تلاقي الاديان الذي يجعل من لبنان ارضاً نموذجية، حيث اناس متباينون على الصعيد الثقافي والديني مدعوون الى العيش معاً على الارض نفسها، والى بناء مجتمع سلام وحوار وعيش مشترك ، تؤدي كلها الى مجتمع مستقر وخلاّق.
ج- ومنه انطلق الحوار الثقافي بين الشرق والغرب منذ قرون بعيدة وتكثّف في القرون الوسطى، ولاسيما في القرن السادس عشر مع المدرسة المارونية في روما سنة 1584، وانطلقت النهضة الثقافية في العالم العربي في مطلع القرن التاسع عشر، وانتشرت افكار الحداثة بواسطة المدرسة والجامعة والصحافة.
د- وفي رحابه تقوم المبادرات المسكونية بفضل مناخ حرية التعبير والمعتقد، وجو الانفتاح على الثقافات والديانات، والتراث الانطاكي المشترك بين مختلف الكنائس الشرقية الكاثوليكية والارثوذكسية.
ه- وفيه تُعاش الحرية ولاسيما الحرية الايمانية ومعها الحرية الفكرية والاجتماعية والسياسية،
الى جانب التفاهم والضيافة وانفتاح الروح.
و- وعنده ميزة الديموقراطية التعددية التوافقية التي ارتضاها اللبنانيون وكرّسها الدستور، حفاظاً على جميع مكونات المجتمع اللبناني التعددي، وإفساحاً في المجال لها جميعاً أن تشارك مشاركة متوازية في الحياة الوطنية والقرارات المصيرية، وفي ادارة شؤون الوطن، وفي بناء مشروع الدولة وتمتينه وتطويره.

21. تقتضي هذه القيمة الحضارية وثوابت الوطن اللبناني تربية على المواطنية، يوفّرها كل من البيت والمدرسة والجامعة والمجتمع، بهدف تنمية محبة الوطن، والافتخار بارثه المشترك، ومعرفة تقاليده ودعوته التاريخية، ونقلها الى الاجيال الطالعة. ان محبة الوطن تشمل شعبه بكل فئاته التي تكوّن ثروته، وتشمل ارضه التي هي عطية من الله، نحافظ عليها حتى الشهادة، ومساحة للعيش الحر والكريم فيه وللتفاعل الانساني والحضاري. والارض هي مصدر الهوية الثقافية والاجتماعية والسياسية. المحافظة عليها وحماية بيئتها واستثمار قدراتها والافادة من نتاجها وعدم بيعها للغرباء واجب مقدس .
ان لبنان بقيمه وثوابته علامة رجاء مرفوعة للجميع. "فازدهار المسيحية فيه يوفر ضمانة لوجود الاقليات المسيحية في بلدان الشرق الاوسط . " مصير المسيحيين مرتبط ارتباطاً وثيقاً بمصير لبنان وبدعوته المميزة". هذا الازدهار ينعكس ايجابياً على الشرق ويعطي مجتمعاته نكهة مميزة. كما ان " الحوار والتعاون بين مسيحيييه ومسلميه قد يساعد على تحقيق الخطوة ذاتها في بلدان اخرى، ببناء مستقبل عيش مشترك وتعاون، يهدف الى تطوير شعوبهم تطويراً انسانياً واخلاقيا. وبهذا يُزهر لبنان من جديد، ويلبّي دعوته بان يكون نوراً لشعوب المنطقة، وعلامة للسلام الآتي من الله .

ميثاق العيش المشترك والصيغة

22. بفضل الميثاق الوطني القائم على حرية الافراد والجماعات والمساواة فيما بينهم وارادة العيش معاً بين المسيحيين والمسلمين، يتميز نظام لبنان بانه متوسط بين النظام التيوقراطي الذي يجمع بين الدين والدولة، والنظام العلماني الذي يفصل تماماً بينهما. فلبنان، بحكم المادة 9 من الدستور، يفصل بين الدين والدولة، مع اعتبار " حرية الاعتقاد مطلقة وتأدية فروض الاجلال لله تعالى، واحترام جميع الاديان والمذاهب وانظمة احوالها الشخصية ومصالحها الدينية". والميثاق الوطني، الذي هو بمثابة الروح للكيان اللبناني، جاء يجسّد هذا النظام المتوسّط انطلاقاً من شعار: "لا للشرق ولا للغرب"، بمعنى "لا" للذوبان في محيطه و"لا" للتبعية للغرب، ويصبّ القول اليوم بمعنى " لا" للتيوقراطية و "لا" للعلمنة الالحادية. فكانت مبادئه ان لبنان جمهورية مستقلة استقلالاً تاماً، عربي الهوية والانتماء، متعاون مع الدول العربية والاجنبية، مع حفظ التوازن بين الجميع، من دون ان يكون لاي منها وصاية او امتياز او اتحاد .

وقد ُتُرجم الميثاق الوطني وما زال بالصيغة اللبنانية التي ارتكزت على المناصفة بين المسيحيين والمسلمين. اذا كانت الوظيفة تقنية، روعيت فيها الكفاءة. وكان التوافق على ان يكون رئيس الجمهورية مارونياً، ورئيس مجلس النواب شيعياً، ورئيس مجلس الوزراء سنياً. والصيغة تعتمد في الدستور قاعدة التساوي بين المسيحيين والمسلمين في توزيع المقاعد النيابية (المادة 24)، وتشكيل الوزراء (المادة 95،أ)، وتعيينات وظائف الفئة الاولى وما يعادلها (المادة 95،ب). لكنها انحصرت بتوزيع المسؤوليات العامة على جميع الطوائف بالانصاف وكان يؤمل من هذه الصيغة تأمين استقرار الكيان وتحقيق الديموقراطية وازدهار الاقتصاد، لو تطوّرت حسب مقتضيات الحداثة والتجربة التاريخية.

كان الميثاق الوطني نموذجاً للشرق كما للغرب . فالعيش المشترك المحصّن بالدستور القائل: " لا شرعية لأي سلطة تناقض العيش المشترك" (المقدمة،ي)، انما يقوم على الاعتراف المتبادل، ووحدة المصير، والتكامل في تكوين النسيج الوطني الواحد. انه يتخطى مستوى التساكن، ليكون نمط حياة يؤمّن للانسان فرصة التواصل والتفاعل مع الآخر، فتغتني شخصيته من تلقيّها جديد الآخر، وتغني بدورها شخصية هذا الآخر، من دون الغاء الخصوصيات والفوارق التي تصبح مصدر غنى للجميع.
والعيش المشترك مسؤولية يحملها المسيحيون والمسلمون معاً امام الله الذي دعاهم واراد لهم ان يكونوا معاً، وان يبنوا معاً وطناً واحداً، وجعلهم في هذا البناء المشترك مسؤولين بعضهم عن بعض. ومن واجبهم ان " يحافظوا على القيم الاخلاقية، والعدالة الاجتماعية، والسلام والحرية، ويدافعوا عن الحياة البشرية والعائلة، ويعززوا الثقة ببعضهم وبالمستقبل الذي يحملهم على الانفتاح على أفضل ما في الحداثة".

****

الفصل الثاني
اعادة احياء لبنان والدولة المدنية الديموقراطية

23. اعادة احياء لبنان مهمة مشتركة بين اللبنانيين على اساس حوار بنّاء واعتراف متبادل، وتبيان ما يجمعهم في شعب واحد واخوّة مشتركة، والرغبة في تعزيز التفاهم والتعاون فيما بينهم، والعمل على تحقيق الوحدة الوطنية . في اساس احياء لبنان تمسّك اللبنانيين بقواعد ايمانهم بالله والوطن، وبتعزيز اواصر الاخوّة والمحبة والاحترام. فالمسلم المؤمن كالمسيحي المؤمن، هو ضمانة في ايمانه لأخيه في الوطن والانسانية" .
يقتضي احياء لبنان من كل الذين يتعاطون السياسة والشأن العام التمسك بمبادىء الحوار وحلّ الخلافات في اطار المؤسسات الدستورية، ورفض الاحتكام الى اي شكل من أشكال العنف والصدامات المسلحة تحت أي ذريعة أو سبب، معتمدين على الجيش اللبناني وقوى الامن الداخلي وحدهما للمحافظة على امن المواطنين والاستقرار؛ كما يقتضي منهم الامتناع عن استعمال عبارات التحقير والاذلال في المخاطبة، وعن اثارة الاحقاد والنعرات الطائفية او الحزبية او الفئوية او الشخصية، بل الارتقاء بلغتهم السياسية الى مستوى المسؤولية الاخلاقية والوطنية الجامعة لتجنيب لبنان مساوىء تحويل الاختلافات في وجهات النظر والنتائج الانتخابية الى ازمات سياسية على مستوى الوطن كله" .

24. توجب اعادة احياء لبنان على السلطة السياسية:
أ- اعتماد آليات للحؤول دون تعطيل عمل المؤسسات الدستورية، وتفعيل هذه المؤسسات الكفيلة وحدها بتوطيد الاستقرار السياسي والامني والاقتصادي، ما يقتضي اسناد المراكز الحكومية والادارية والقضائية الى من يتميّزون بالكفاية والنزاهة والخبرة، واحترام احكام القضاء من قبل الادارة، وتعزيز عمل المجالس والاجهزة الرقابية، منعاً لهدر المال العام. وتحقيق الموازاة بين المسؤوليات العامة والصلاحيات، وتعميم المهل الدستورية والقانونية على مستويات القرار كافة.

ب- الابتعاد عن سياسة المحاور الاقليمية والدولية وعدم التمحور في أحلاف خارجية تخوض صراع مصالح ونفوذ على ارض لبنان، وعلى حسابه، مع الحرص على الانفتاح والتفاعل مع محيطه والعالم. ولا بدّ من السعي، بالتعاون مع منظمة الامم المتحدة وجامعة الدول العربية، الى تحييد لبنان مع تعزيز قدراته الدفاعية، بحيث يكون بلداً نموذجياً للحوار الديني الثقافي العالمي ومنفتحاً على جميع الدول بروح الصداقة والتعاون والاحترام المتبادل، ويلتزم قضايا المنطقة والعالم في كل ما يختص بالسلام والعدالة والحقوق وترقي الشعوب.

ج- تحقيق اللامركزية الادارية الموسعة، في سبيل تأمين فرصة جدّية لبناء الوحدة الوطنية وتأمين الاستقرار عبر تخفيف حدّة الصراع على السلطة المركزية، وتعزيز الانماء المتوازن. فاللامركزية الموسعة اولوية وطنية قصوى.

د- تعزيز الحياة الاقتصادية والاجتماعية واصلاحها بالاجراءات التالية:تطبيق المبادىء الاخلاقية فيها، الكفيلة باحياء التضامن والتكافل، وبالحدّ من الفساد والمضاربات والصفقات غير المشروعة؛ تعديل النظام الضريبي ليكون اكثر عدالة وفعالية؛ دعم النشاط الانتاجي الصناعي والزراعي والخدماتي والسياحي وجذب الاستثمارات؛ اصلاح السياسة النقدية وتسديد الديون؛ تركيز علاقة الدولة بالقطاع الخاص على التعاون والتكامل والشفافية في التعامل الاقتصادي والمالي، والسهر على منع الممارسات الاحتكارية وعلى تأمين تعادل الفرص؛ تحديث التشريعات لمواكبة العولمة واحلال الثقة لدى المستثمرين. .

ه - محاربة الفساد من اجل بناء دولة الحق الشفافة التي ترسي حكم القانون وتطمئن مواطنيها. ما يقتضي وضع قانون فاعل واتخاذ تدابير تطبيقية. هذا يتطلب منع التدخل السياسي في التعيينات الادارية، ومحاسبة الراشي والمرتشى.
و- الاهتمام بالطاقات الشبابية، التي هي ثروة البلاد الكبرى والقوة التجددية في المجتمع والكنيسة، بحيث تتوفر للشباب ثقافة علمية ومهنية مع تربية انسانية واخلاقية واجتماعية تهيئهم للاشتراك الواعي في القرارات الوطنية، وللانخراط في وظائف القطاع العام، بذهنية جديدة وتطلعات بعيدة؛ وتتأمن لهم فرص عمل وفقاً لمهاراتهم وكفاءاتهم، ما يتيح لهم البقاء في وطنهم وتحفيز الابداع على ارضه وتأمين مستقبلهم فيه وانشاء عائلة، ويفتح ابواب الرجاء امامهم بمستقبل افضل وبتحولات ممكنة.
ز- تعزيز مساهمة المرأة في المسؤوليات العامة ومشاركتها في الحياة السياسية، بما لها من حقوق وطاقات وما لديها من حيوية وانفتاح وصدق في مقاربة المواضيع، ومن حسّ اجتماعي لاستدراك المشاكل الانسانية والتربوية والصحية والبيئية.
ح- الاهتمام باللبنانيين المنتشرين، بحيث تعترف الدولة بحقوقهم الوطنية وبخاصة اعادة الجنسية لمن تحقّ له، وتستعين بقدراتهم وتوظّفها، حتى لا يبقوا في غربة عن الوطن. بل يسهمون في الحفاظ على هويته وحضوره في المنطقة والعالم، ويدعمون قضاياه المحقة، ويوظّفون قدراتهم على اعادة اعماره في مختلف الميادين. وتتعاون الدولة مع الكنيسة على تمتين الروابط معهم انطلاقاً من دعوة لبنان التاريخية ورسالته.

25. يكتمل احياء لبنان بانشاء دولة مدنية ديموقراطية حديثة ذات نظام سياسي واجتماعي عادل ومنصف، وفقاً للشروط التالية:
أ- التمييز الصريح، حتى حدود الفصل، بين الدين والدولة، فلا الدين يُسيَّس، ولا الدولة تعتدّ بالدين. ان تماهي الشريعة الدينية مع الشريعة المدنية غالباً ما يؤدي الى خنق الحرية الدينية والحدّ من حقوق الانسان الاساسية، والى التصلّب واللجوء الى العنف وشنّ الحرب باسم الدين، ما يعني في الاساس وجود مفهوم خاطىء عن الله وبالتالي مفهوم خاطىء عن الانسان.
ب- ممارسة الديموقراطية ممارسة صحيحة ونشر ثقافتها، من اجل تأمين تداول السلطة وتجديد النُخب السياسية واستمرارية الاصلاح. فالديموقراطية عامة تعتمد التنوّع الفكري والسياسي والتعدد الحزبي وسواه، كما تعتمد الاعتراف بالآخر وبوجود اكثرية واقلية تعملان وفقاً للاصول الديموقراطية وتداول القيادة السياسية. تكون الديموقراطية تنافسية ضمن الجماعة المتجانسة طائفياً، وتوافقية ضمن المجتمع الاوسع والمتنوع طائفياً، كما هي الحال في خصوصية لبنان. ما يعني ان السلطة السياسية تعمل للخير العام في البلاد ليس فقط وفقاً لتوجهات الاكثرية، بل ايضاً بموجب الخير الفعلي لكل اعضاء الجماعة المدنية، بمن فيهم الاقلية، بحيث تتأمن للجميع مستلزمات الحياة الكريمة .

ج- التوفيق بين المواطنة والتعددية. فالمواطنة تقتضي المساواة في الحقوق والواجبات بين الجميع، عبر مؤسسات دستورية قادرة على نشر عدالة سليمة ومنصفة. والتعددية تقتضي العمل بمبدأ المشاركة الفاعلة والمتوازنة من قبل جميع الطوائف والمذاهب والافراد في الحكم والادارة، من دون ابعاد دور احد او اسقاطه في الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية ومن دون امتيازات لأحد او لطائفة.
د- تأمين حرية المواطنين وتعزيز دورهم في المساءلة والمحاسبة، من خلال قانون انتخاب نيابي يؤمن صحة التمثيل لشتّى فئات الشعب، واجراء انتخابات دورية نزيهة تسمح للمواطنين بالتعبير عن رأيهم في اختيار ممثليهم وترسيخ العلاقة معهم وايصال خياراتهم وتطلعاتهم عبرهم؛ كما يفسح بالمجال لمشاركة المنتشرين في الانتخاب الذي هو من حقهم، بغية ترسيخ علاقتهم بوطنهم الام، وتقوية مساهمتهم الفعالة في اعادة بنائه.

26. ثمة التزامات اخرى ضرورية لبناء الدولة اللبنانية وتحصين سيادتها اهمها :
1. تنظيم العلاقات بين الدولة اللبنانية والسلطة الفلسطينية، وايجاد حلّ لمشكلة السلاح داخل المخيمات وخارجها، وضبط الاوضاع الامنية؛ والسعي الى حلّ عادل للقضية الفلسطينية يرتكز على قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة، ما يضمن للفلسطينيين حق العودة الى بلادهم، والتنقل والسفر، وعلى العمل مع الدول المعنية والجهات الدولية على منع توطينهم في لبنان، وتحسين اوضاعهم الحياتية.
2. حصر السلاح اللبناني بالقوى الشرعية المسلحة واخضاع المهام الدفاعية والامنية لقرار السلطة السياسية دون سواها. وتعزيز الثقة بالقوى المسلحة وتوفير الدعم لها وتجهيزها وتشجيع الشباب للانضواء تحت لوائها.
3. بناء علاقات طبيعية مع الجمهورية العربية السورية تتميّز بالتكافؤ والمساواة والمصالح المشتركة واحترام سيادة كل بلد وحدوده، وقيام علاقات ديبلوماسية سليمة لخير البلدين، وشدّ اواصر التعاون والتضامن مع البلدان العربية الاخرى.

****

القسم الثالث
الشرعة

27. ان مواد هذه الشرعة هي مقتبسة من المبادىء المطروحة في القسمين الاول والثاني من هذه الوثيقة. والمراجع المشار اليها في العناوين، تعود الى فقرات هذين القسمين.

اولاً، مبادىء عامة
السياسة في خدمة الانسان والخير العام

المادة 1: السياسة فن شريف لخدمة الانسان والخير العام. تشمل ممارستها النشاط الاقتصادي والاجتماعي والتشريعي والاداري والثقافي، بحيث تتوفر لجميع المواطنين الاوضاع الحياتية التي تمكّنهم من تحقيق ذواتهم تحقيقاً افضل، على مستوى الاشخاص والجماعات. فكل جماعة بشرية تحتاج الى سلطة تنظم شؤونها وتؤمن خيرها واستقرارها وازدهارها، وتخضع هذه السلطة في الممارسة لنظام اخلاقي كتبه الله الخالق في قلب الانسان.

المادة 2: يتخذ العمل السياسي كقاعدة الشخص البشري وكرامته وحقوقه الاساسية المرتكزة على الشريعة الطبيعية المكتوبة في طبيعة الانسان والحاضرة في مختلف الثقافات والحضارات. من واجب اصحاب السلطة السياسية ان يعملوا بروح المسؤولية على توجيه قدرات المواطنين وطاقات الدولة نحو الخير العام الذي منه خير الجميع، والذي يتمحور حول:
أ‌- احترام الشخص البشري بحدّ ذاته وفي حقوقه الاساسية وحرياته الطبيعية.
ب‌- انماء الشخص البشري روحياً وانسانياً وثقافياً واقتصادياً، وتوفير ما يحتاج اليه من غذاء وكسوة وعناية صحية وعمل وتربية واستعلام وحق في تأسيس عائلة.
ج- توطيد السلام والعدالة والاستقرار الامني.

المادة 3: يلتزم العمل السياسي خدمة الانسان بالتشجيع على انشاء نظام اجتماعي مع ما يستلزم من جمعيات عامة وخاصة، تشدّ اواصر العائلة الوطنية وتعزز الترابط والتضامن بين المواطنين وتؤمن خيرهم. يتأسس هذا النظام الاجتماعي على الحقيقة، ويُحمى بالعدالة، وينتعش بالمحبة، وينمو بالحرية.

المادة4: تعمل السلطة السياسية على توفير الحماية: للمواطنين من انتهاك حقوقهم ومن نتائج الازمات والكوارث؛ وللحياة البشرية منذ تكوينها في حشى الام حتى آخر نسمة من حياتها الطبيعية؛ ولسلامة الشخص البشري من اي تعدٍّ عليه في جسده ونفسه وكرامته. هذه الحماية، بكل وجوهها،واجب مقدّس لارتباطها بفكرة الشخص البشري المخلوق على صورة الله.

المادة5: تنظم السلطة السياسية الحياة العامة بادارة شؤون الدولة في نشاطها الداخلي والخارجي، وتعزيز محبة الوطن لدى المواطنين وتربيتهم على الولاء له وعلى المواطنية الملتزمة. يؤدي المسؤولون المدنيون هذه الواجبات بتجرد وشفافية وخلقية، بروح الخدمة المقرونة بالمناقبية والكفاءة والفعالية، بعيداً عن التسلّط والالتباس والفساد.

المادة 6: تمارس السلطة السياسية دورها باسم الشعب ديموقراطياً بقبول تنوّع الآراء وبلورتها. وتمارس التنافس الديموقراطي من خلال برامج اقتصادية واجتماعية وانمائية تؤمن خير المواطنين، دونما صدام او تخوين.

التمايز والتعاون بين الكنيسة والدولة

المادة7: يجب احترام التمايز بين الدولة والكنيسة الناتج من طبيعة كل واحدة منهما ومساحات خدمتها ووسائلها. ويجب حفظ استقلالية الواحدة عن الاخرى في حقل عملها الخاص، فيما الاثنتان تعملان في سبيل خير الانسان وخير المجتمع. لهذا السبب يجب ان يقوم تعاون بينهما على قاعدة التفاهم، والاحترام المتبادل والتكامل، بالتنسيق والتخطيط المشترك، والتضامن المسؤول. ان فاعلية الخدمة التي تقدمها كل واحدة منهما بوسائلها وهيكلياتها الخاصة، تكون اكثر فعالية بمقدار ما يكون التعاون بينهما وثيقاً.

المادة 8: يوجب الفصل بين الدين والدولة قيام دولة مدنية تحترم الاديان وتصون حرية المعتقد والعبادة، فيما تتولى هي دون سواها ادارة الشأن السياسي والاقتصادي والمالي والعسكري. ويبقى من حق الدين ان يعطي حكمه الادبي في اعمال هذه الادارة وإدائها من ناحية نتائجها الخلقية والانسانية. اما الدولة فتلتزم اعطاء الدين مكانته ودوره في ما يشيع من قيم روحية تنعش الحياة الاجتماعية السريعة العطب.

المادة9: يحق للكنيسة ويجب عليها، بحكم رسالتها الرامية الى تكوين جماعة بشرية وتثبيتها وفقاً للشريعة الالهية، ان تقوم بنشاطات ذات طابع عام تختص: بالانسان في كرامته وحقوقه ومصيره الابدي؛ وبالمجتمع في حاجته الى عدالة اجتماعية ومساواة في الحقوق والواجبات، والى سلامة الاخلاق وحفظ سلّم القيم؛ وبالوطن في وحدة شعبه وسيادة قراره وشرف استقلاله. بفضل هذه الرسالة تعطي الكنيسة حكمها الادبي في جميع الشؤون، بما فيها الشأن السياسي، عندما تقتضيه حقوق الشخص البشري الاساسية وكرامته وخلاص النفوس. ذلك انها تحكم في صلاح الافعال البشرية وشرّها في ضوء الشريعة الالهية والخلقية.

المادة10: تعترف الكنيسة، من جهتها، بواقع الدولة ونظرتها السليمة الى الحياة والناس والاشياء، وتشجّع المؤمنين على حسن التعاطي مع الدولة والعمل باخلاص في مؤسساتها واجهزتها، وتربي ضميرهم على محبة الوطن والولاء الكامل له، وتحثّهم على واجب المشاركة في المسؤوليات العامة بتجرد وشفافية واخلاص. كما انها تساهم في الخدمة الوطنية العامة من خلال مؤسساتها التربوية والثقافية والاجتماعية والاستشفائية والانمائية. اما الدولة فعليها ان تعترف بهوية الكنيسة، وتوفر لها ما تحتاج اليه، في اداء رسالتها، من حرية في التعبير والتعليم والتبشير بالانجيل، وسواها من الحرّيات العامة.

المسيحيون والعمل السياسي

المادة 11: يجب على المسيحيين ان يشاركوا، كما غيرهم من اللبنانيين، في الحياة السياسية. هذا حق مرتبط بكرامة الشخص البشري، وغير قابل للمنع او الحدّ منه او الالغاء او الاختزال. انه يتيح لكل مواطن، اياً كان دينه او عرقه او رأيه السياسي، ان يشارك بابداع وفعالية وكفاءة في نشاطات الحياة العامة في مجمل قطاعاتها، بروح المسؤولية والطموح، لا تحت وطأة الاغراء او الاكراه او الرشوة.

المادة 12: يشارك المسيحيون في الحياة العامة بحكم معموديتهم التي تشركهم في وظيفة المسيح الرب المثلثة: الوظيفة الكهنوتية التي تجعل من عملهم الزمني تسبيحاً لله باكمال عمل الخلق؛ والوظيفة النبوية التي تدفعهم الى تجسيد جدّة الانجيل وبث روحه في حياتهم اليومية، العائلية والثقافية والاجتماعية، كخميرة في العجين وملح في الطعام؛ والوظيفة الملوكية التي تحملهم على السلوك في الحقيقة والمحبة والعدالة وحرية ابناء الله، وعلى نبذ الخطيئة وتحطيم قوى الشر والظلم والاستضعاف.

المادة 13: ينبغي ان تتصف ممارسة المسيحيين للسلطة السياسية بالميزات التالية:
أ‌- تعاطي الشؤون الزمنية باستلهام ضميرهم المسيحي، والجمع بين موجبات العمل السياسي والمبادىء الاخلاقية، ووحدة الحياة بالتناغم بين الروحي والانساني.
ب‌- روح الخدمة المتجردة والسخية، المتصدّية للاغراءات والمناورات الخسيسة والكذب واختلاس اموال الدولة واستعمال اساليب غير شرعية وغير اخلاقية للوصول الى السلطة والاحتفاظ بها والتوسع فيها باي ثمن.
ج- التحلّي بالقيم الانجيلية والانسانية ولاسيما بساطة العيش، والتفاني في سبيل الخير العام، والحب
التفضيلي للفقراء، وروح الغيرة والتضحية.
د- التزام قضية السلام وجعله ثمرةً للعدالة ونتيجةً لانماء الشخص والمجتمع، وتوطيده على اسس
الحقيقة والمحبة والعدالة والحرية، مع نبذ العنف والارهاب وعسكرة السياسة.
ه- المصالحة والغفران على كلٍ من المستوى الروحي مع الذات ومع الله، والمستوى الاجتماعي
بالتضامن والتفاهم ومساعدة الفقراء والمعوزين وتحقيق العدالة التوزيعية، والمستوى السياسي ببناء الوحدة الوطنية ودولة الحق الصالحة والعادلة والقادرة، والمستوى الوطني بابرام عقد اجتماعي ميثاقي يحصّن العيش معاً ويضمن مشاركة الجميع العادلة والمنصفة في ادارة شؤون البلاد.
و- تعزيز الديموقراطية القائمة على الشريعة الاخلاقية المتأصلة في طبيعة الشخص البشري، وعلى اخضاع المصالح الخاصة والفئوية للصالح العام، وعلى ممارسة واجب المساءلة والمحاسبة تجاه المسؤولين المدنيين.

ثانياً، لبنان الوطن والخصوصية
لبنان الوطن والكيان والقيمة الحضارية
المادة 14: يرتكز العمل السياسي على مقومات لبنان كوطن وكيان، كما تحددها مقدمة الدستور اللبناني، وعلى مستلزمات نهائيته ككيان، وعضويته في منظمة الامم المتحدة وفي جامعة الدول العربية، وموقعه على الضفة الشرقية من البحر المتوسط.

المادة 15: يلتزم العمل السياسي المحافظة على قيمة لبنان الحضارية وتعزيزها وتثميرها وتربية الاجيال الطالعة وسائر المواطنين عليها. وهي: ارث لبنان للبشرية، ارضه النموذجية لتلاقي الاديان، الحوار الثقافي بين الشرق والغرب، المبادرات المسكونية، الممارسة الديموقراطية التعددية. يكون لبنان بقيمه وثوابته علامة رجاء مرفوعة للجميع.

المادة 16: يقع على عاتق المسؤولين المدنيين وسائر المواطنين واجب المحافظة على الارض اللبنانية وحماية بيئتها. فالارض مصدر الهوية الوطنية، الثقافية والاجتماعية والسياسية، ومساحة للعيش الحرّ والكريم في الوطن وللتفاعل الانساني والحضاري مع سائر الشعوب. ان المحافظة على الارض وحماية بيئتها واستثمار قدراتها والافادة من نتاجها وعدم بيعها للغرباء واجب وطني.

الميثاق والقضية

المادة 17: يعمل المسؤولون السياسيون بروح الميثاق الوطني القائم على العيش المشترك بين المسيحيين والمسلمين، وبالامانة للصيغة اللبنانية التي تجسّد هذا الميثاق في المشاركة الفعلية من قبل الجميع، بالمساواة والانصاف في الحكم والادارة، وفقاً لاحكام الدستور وروح الوفاق الوطني. ويسعون الى تطوير الصيغة المعتمدة بحيث تؤمّن استقرار الكيان اللبناني وديموقراطيته، وازدهار الاقتصاد وفقاً لمقتضيات الحداثة والتجربة التاريخية.

المادة 18: يقتضي الميثاق الوطني اللبناني بان يستمر نظام لبنان متوسطاً بين النظام التيوقراطي الذي يجمع كلياً بين الدين والدولة، والنظام العلماني الذي يفصل تماماً بينهما. وفيما يميّز نظام لبنان بين الدين والدولة ويحفظ استقلالية كل منهما، فانه يشكل دولة مدنية تحترم الله وشريعته، وتعترف بحرية المعتقد وتأدية واجب العبادة الخاصة والعامة لله، وتقرّ لجميع الاديان والمذاهب بحق التشريع والولاية والقضاء في الشؤون الروحية وتلك الزمنية ذات البُعد الديني. يلتزم اللبنانيون مقتضيات الميثاق الوطني هذه، متجنبين في ان الذوبان في مشاريع وحدوية عقائدية والتبعية للغرب، مع حفظ التوازن والتعاون مع جميع الدول.

المادة 19: يحمل اللبنانيون مسؤولياتهم امام الله الذي يدعوهم ليعيشوا معاً، على اختلاف ثقافاتهم واديانهم، فيبنون معاً وطناً واحداً نموذجياً للعيش المشترك وللحوار بين الاديان والثقافات. يؤمل ان يساعد هذا المسعى على تحقيق الخطوة ذاتها في بلدان اخرى، وعلى تطوير الشعوب تطويراً انسانياً واجتماعياً، وعلى بناء عائلة بشرية يسودها الاحترام والتفاهم والتكامل، ويشدّ اواصرها سلام عادل وشامل ودائم.

احياء لبنان: المقتضيات والشروط
المادة20: تقوم على عاتق جميع اللبنانيين مهمة مشتركة هي اعادة احياء لبنان على اسس التمسك بقواعد الايمان بالله والوطن، وتعزيز اواصر الاخوّة والوحدة، انطلاقاً مما يجمع بروح التفاهم والتعاون.

المادة21: يقتضي واجب احياء لبنان من كل الذين يتعاطون السياسة والشأن العام ان يتمسكوا بمبادىء الحوار وحلّ الخلافات في اطار المؤسسات الدستورية، رافضين الاحتكام الى اي شكل من اشكال العنف والصدامات المسلحة، ويعتمدون على الجيش وقوى الامن الداخلي دون سواهم للمحافظة على امن المواطنين والاستقرار. وعليهم ان يرتقوا بخطابهم السياسي الى مستوى المسؤولية الاخلاقية والوطنية الجامعة، مجنّبين لبنان مساوىء تحويل الخلافات والنتائج الانتخابية الى ازمات سياسية على مستوى الوطن كله.

المادة 22: يوجب احياء لبنان على السلطة السياسية:
أ‌- اعتماد آليات للحؤول دون تعطيل عمل المؤسسات الدستورية الكفيلة وحدها بتوطيد الاستقرار السياسي والامني والاقتصادي؛ وتفعيل هذه المؤسسات، وتحسين كوادرها وتعزيز عمل المجالس والاجهزة الرقابية؛ وتحقيق الموازاة بين المسؤوليات العامة والصلاحيات، وتعميم المهل الدستورية والقانونية على مستويات القرار كافة.
ب-العمل على تحييد لبنان عن الانجراف في سياسة المحاور الاقليمية والدولية، وعن التمحور في احلاف خارجية تخوض صراع مصالح ونفوذ على ارض لبنان وعلى حسابه. وجعل لبنان بلداً نموذجياً للحوار
العالمي وملتزماً قضايا السلام والعدالة وترقي الشعوب.
ج- تحقيق اللامركزية الادارية الموسّعة واللاحصرية كأولوية قصوى، تخفيفاً من حدّة الصراع على
السلطة المركزية وتعزيزاً للانماء المتوازن.
د- تعزيز الحياة الاقتصادية والاجتماعية واصلاحها، بتطبيق المبادىء الاخلاقية الكفيلة بالحدّ من الفساد والمضاربات والصفقات غير المشروعة؛ وباتخاذ اجراءات تشمل: تعديل النظام الضريبي، ودعم النشاط الانتاجي في مختلف القطاعات، واصلاح السياسة النقدية وتسديد الديون، وتصويب علاقة الدولة بالقطاع الخاص، وتحديث التشريعات لمواكبة العولمة واحياء الثقة لدى المستثمرين.
ه- محاربة الفساد بارساء حكم القانون والسهر على تطبيقه دونما استثناء واستنساب، وبمنع التدخّل السياسي في التعيينات الادارية، ومحاسبة الراشي والمرتشى.
و- الاهتمام بالطاقات الشبابية تثقيفاً وتربية وتوظيفاً في القطاعين العام والخاص. وتأمين فرص عمل لهم وفقاً لاختصاصاتهم ومهاراتهم.
ز- تعزيز مساهمة المرأة في المسؤوليات العامة، بما لها من حقوق وطاقات وحضور وحسن مقاربة.
ح-الاهتمام باللبنانيين المنتشرين بتمتين الروابط الوطنية والروحية معهم، واعادة حقوقهم اليهم وبخاصة الجنسية لمن تحق له، والاستعانة بقدراتهم ومنحهم حق الاقتراع.

المادة 23: يقتضي احياء لبنان ان تنشأ دولة مدنية ديموقراطية حديثة بالشروط التالية:
أ‌- التمييز الصريح، حتى حدود الفصل، بين الدين والدولة.
ب‌- ممارسة الديموقراطية ممارسة صحيحة، ونشر ثقافتها، تاميناُ لتداول السلطة وتجديد النُجب السياسية واستمرارية الاصلاح، ولتوفير مستلزمات الحياة الكريمة للجميع.
ج‌- التوفيق بين مقتضيات المواطنة والتنوع. فالمواطنة تقتضي المساواة في الحقوق والواجبات بين الجميع، والتنوع يستدعي المشاركة الفاعلة والمتوازنة من قبل الجميع.
د- وضع قانون عادل للانتخابات النيابية، يؤمّن صحة التمثيل والمشاركة المتساوية، ويمكّن
المواطنين من مساءلة ممثليهم ومحاسبتهم.

المادة 24: تقوم السلطة السياسية بالتزامات تضمن بناء الدولة اللبنانية وتحصين سيادتها، وهي:
أ‌- تنظيم العلاقات بين الدولة اللبنانية والسلطة الفلسطينية، بالسعي الى حلّ عادل لقضية الفلسطينيين، وضمان حق العودة الى بلادهم، وقيام دولة لهم قابلة للحياة، وبالعمل مع الدول المعنية لمنع توطينهم في لبنان، وضبط سلاحهم، وتحسين اوضاعهم.
ب- حصر السلاح اللبناني بالقوى الشرعية المسلحة، واخضاع المهام الدفاعية والامنية لقرار السلطة
السياسية وحدها.
ج- بناء علاقات سليمة مع الجمهورية العربية السورية والبلدان العربية الاخرى على اسس الاحترام المتبادل لسيادة كل دولة وحدودها، وقيام علاقات ديبلوماسية، وشدّ اواصر التعاون والتضامن.

ثالثاً، المعايير للانتخاب وللمحاسبة والمساءلة

المادة 25: بما ان الشعب هو " مصدر السلطات وصاحب السيادة يمارسها عبر المؤسسات الدستورية ، وان المواطن اللبناني هو الناخب الاساسي ، وان " عضو المجلس النيابي يمثل الامّة جمعاء، ولا يجوز ان ترتبط وكالته بقيد او شرط من قبل منتخبيه" ، على الناخب اللبناني ان يتحمل مسؤوليته في الانتخاب، وفقاً للمعايير التي تلي.

المادة 26: على الناخب ان يدلي بصوته بحرية تامة من دون اكراه او اغراء او غش، واضعاً نصب عينيه مصلحة الوطن العليا، فيختار امام الله والضمير من هو الاصلح من حيث روح الخدمة المقرونة بالكفاءة والفعالية، والتحلّي بالقيم الانسانية والانجيلية، والغيرة على الصالح العام والتجرد من المصالح الشخصية والفئوية.

المادة 27: يقترع الناخب لصالح من هو مؤهَّب ثقافياً وانسانياً واخلاقياً لممارسة فنّ السياسة الشريف، وقد تمرّس في خدمة الشأن العام، وتميّز باحترامه للانسان وحرصه على كرامته وحقوقه.

المادة 28: يختار الناخب من يراه ملتزماً باحياء لبنان من خلال:
أ- تفعيل المؤسسات الدستورية والعمل على تحييد لبنان، وتحقيق اللامركزية الادارية الموسعة وحماية لبنان، واستئصال الفساد، ومنع هدر المال العام.
ب- تثمير الطاقات الشبابية بتوفير فرص العمل لهم وفقاً لشهاداتهم ومهاراتهم.
ج- الاهتمام باللبنانيين المنتشرين لاعطائهم حقوقهم وجنسيتهم والتعاون معهم وفقاً لقدراتهم وتحفيز المبادرات الفردية والابداع.
د- تعزيز الحياة الاقتصادية، وتحسين الاوضاع المعيشية، والخروج من حالة المديونية الباهظة.
ه- وضع خطة للحدّ من الهجرة وعودة الذين اضطروا الى مغادرة البلاد لاسباب سياسية او اقتصادية او امنية.

المادة 29: يشترط بالمرشح للنيابة في لبنان:
أ- ان يكون ولاؤه اولاً واخراُ للبنان وان يكون مدركاً قيمته كوطن مميّز بخصوصيته من حيث الكيان والقيمة الحضارية والميثاق والصيغة، على ان يسعى الى تطوير هذه الاخيرة وصولاً الى تأمين الحرية والاستقرار والازدهار؛ وان يكون ذا ماضٍ يثبت في الاقوال والافعال والمواقف هذا الولاء وهذا الادراك؛ وان يكون مؤمناً بالعيش المشترك القائم على المعرفة المتبادلة والاحترام والتواصل والتفاعل، بروح المساواة امام القانون والكرامة الوطنية، دونما تبعية او استقواء او استغلال من اجل مآرب شخصية او فئوية.
ب- ان يكون مؤمناً بالديموقراطية السليمة ويمارسها، وبحقوق الانسان ويتفانى في تأمينها وحمايتها، وان يغار على سيادة لبنان وامنه واستقراره، وكرامة مؤسساته وشعبه. ويعمل جاهداً على تعزيز قواه الشرعية المسلحة القادرة على حماية الجميع، فتزول الحاجة الى اي استثناء.
ج- ان يتمتع بالخلقية التي تعمل من اجل توطيد العدالة الاجتماعية، وبالمحبة للبنان وشعبه، بحيث يستلهم صوت الله والضمير، ويسعى جاهداً الى احلال السلام كثمرة للعدالة ولانماء الشخص البشري والمجتمع.
د- ان يمارس في ترشحه التنافس الديموقراطي على اساس برنامج واضح، يكون محوره الانسان، ويطرح تصوراً وحلولاً لازمات المواطنين المتنوعة، ويلتزم هذا البرنامج.

المادة 30: يلتزم كل مرشح الروح الديموقراطية الاصيلة، فيقبل بنتائج الانتخابات ويحترم ارادة الناخبين وحريتهم، ويبادر الى تهنئة الفائزين.

المادة 31: تقتضي الديموقراطية السليمة ان يحاسب المواطنون ممثليهم ويسائلوهم في كل ما يختص بالصالح العام، وبما قطعوا من وعود وما قدّموا من مشاريع تنافسية. كما يحاسبونهم ويسائلونهم بشأن الشروط التي ترشحوا على اساسها.

****
خاتمة
28. ان الكنيسة في لبنان تنشر هذه الشرعة لتنوير العقول وايقاظ الضمائر وتنقية النفوس، آملة من الجميع التقيّد بها لتصويب ممارسة السياسة، هذا الفن النبيل وهذه المسؤولية الخطيرة، بغية تنمية الشخص البشري وتطوير المجتمع.
والكنيسة تتبع في هذا العمل نهج مؤسسها الالهي الذي اعلن عن نفسه، وهي مثله: " ابن الانسان لم ياتِ ليُخدم بل ليَخدم ويبذل نفسه فداء عن كثيرين" ( مرقس10/45).

***

--