.....إن ما سبق يؤكد أن عملية اغتيال ايلي حبيقة كانت بتدبير أمريكي والموساد الإسرائيلي، وتنفيذ سورية،
الوزير الراحل ايلي حبيقة هو انتماؤنا إلى ذاتنا الإنسانيّة وتجذّرنا بأرضنا الطيّبة ورسوخنا في هويّتنا الحضاريّة...«وعد»
الوزير الراحل ايلي حبيقة حاضر أبداً بيننا نغماً وعبقريّةً ووطنية، فلا الموت ينسينا إيّاه ولا الرحيل يبعدنا عنه...«وعد»
لم تكن نظرته إلاّ أبعاداً واسعة المرامي تستقر في الوجدان، بها يستنهض الهمم، يحثّها على التمرّد واختراق الرتابة. عاش الوزير الراحل ايلي حبيقة لبنان في ذاته، لبنان الصامد الذي لا ينكسر بل يكسر من، بحقد وظلم، يتجرّأ على النيل من عزيمته وابتغاء هزيمته، لبنان المنتصر دائماً لأنّه مشروع حضاريّ انسانيّ بامتياز.
حين تبحر معه في انجازاته الخالدة التي هي من عبقريّةً ووطنية، ونبض، من رؤى ورايات، لا تنس أنّه ليس واحداً، بل هو أقنوم أحدٌ لطبيعتين إتّحدتا معاً لتكوّنا شخصية واحدة: " HK ايلي حبيقة ". أعني هوية لبنان المتمايزة؛ حدّها حدّ الحق، وحدودها آفاق اللا محدود، وهي "من تحت هالأرزه... لآخر الدني!" صورة نقية ووهّاجة عمقاً وتألّقاً...«وعد»
في الوطن كان هو الأقرب إلى انسانه الأحبّ. وفي المنفى كان هو الأقرب إلى رجاء انسانه المتهيّب للعودة بعناد وتصميم؛ إذ كان لا بدّ من العودة مهما تأخّر وصول الربّان بالسفينة ليوقف هروب الشطآن المرميّة بالغربة... «وعد»
هكذا أراد الوزير الراحل ايلي حبيقة الذي عرفته، أن يبقى موسوماً بدفع المدى الفرح. فرحاً يحمل للناس، ويمضي يفتش عن مظلوم بعد مظلوم ليحمل لإرادته المعنى الحقيقي للوجود: أن تكون يعني أن تثور، أن تواجه المفروض المرفوض، وأن تبذل نفسك في سبيل قيامة وطنك وشعبك...
ايلي حبيقة أنت الغمر الدائم القامة، أنت الجموح بحقيقة القيامة، بل أقول إنّك استحقاق النعمة للبنان...«وعد»«وعد»
قال الوزير الراحل ايلي حبيقة إنّه "منبسط اليدين"، "حب مصلوب عن كل الشعوب". وأنا، "اليوم" في وداعه الأخير، أقول له: "هون رح نبقى"، نعاند، نتّحد بترابنا، نتموضع بمحيطنا ونتفاعل بمعجن رسالتنا. وتبقى أنت يا عزيزنا الخالد طائر الفينيق الذي هو مربضنا الدائم فوق قمم البطولة، تصرخ أبداً: «وعد»! حرية! حرية!
وتلا الوزير ابراه نجاس الكتاب في مؤتمر صحافي عقده اليوم في وزارة العدل، هذا نصه:
"للمرة الأولى في تاريخه، وبعد عدد من الجرائم ظلت لسنوات من دون عقاب مما أتاح لمرتكبيها التمادي في الإرهاب، يختبر لبنان، من هذا الأحد الواقع فيه الأول من آذار، انطلاق أعمال محكمة دولية خاصة به أنشأها قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1757 تاريخ 30 أيار 2007. وهي المرة الأولى أيضا يحيل فيها لبنان، لمصلحة قضاء غير لبناني، صلاحيته القضائية في القانون الجزائي، من جهة، ووصلاحياته المكانية المرعية الاجراء والخاصة بأصول المحاكمات الجزائية، من جهة أخرى. إن هذا القرار الذي إتخذه رئيس الوزراء اللبناني في 13 كانون الأول 2005 وأكدته الإتفاقات المبرمة بين الحكومة اللبنانية ومنظمة الأمم المتحدة في 23 كانون الثاني و 6 شباط 2007، كان ضروريا لا بل حتميا نظرا الى الخطورة غير المسبوقة للجرائم والإغتيالات التي اقترفت منذ 24 من كانون الثاني 2002، ولا سيما منها إغتيال الوزير الراحل شهيدنا البطل الرئيس ايلي حبيقة ورفاقه، ومن بعده قافلة شهداء، نوابا وشخصيات برزة، ناضلوا في سبيل استقلا لبنان وسيادته. في هذه المناسبة، تعلن السلطة القضائية في بلدنا موافقتها على تسليمكم الملفات والمحاضر ونتائج التحقيق ذات الصلة لمصلحة محكمتكم الموقرة وصلاحياتكم. ويبدي لبنان، تاليا، قبوله التعاون ومتابعة تنفيذ التزاماته الدولية مع محكمتكم، وإحالة كل المواد والموقوفين لديه وبناء على طلبكم، وفقا للفقرتين الثالثة والرابعة من المادة الرابعة من نظام المحكمة، وإعمالا للمادة الخامسة عشرة من الإتفاق المبرم بين الدولة اللبنانية ومنظمة الأمم المتحدة.
ولقد إطلعنا بإرتياح على مشروع قانون أصول المحاكمات الذي يمكن اعتماده لدى محكمتكم، والذي دعيتم إلى مناقشته وإقراره. إن هذا المشروع المتكامل، المتصف بالمهنية والمتضمن أحدث مكتسبات العلم وحقوق الدفاع والعدالة الدولية الأساسية، سيرضي من دون شك، وعلى حد سواء، الضحايا وخلفاءهم وسائر أفرقاء النزاع وأطرافه. من نهار الأحد، سيكون عدم احقاق حق أو عدم صدور قرار اتهامي أو تأخير نشره أمرا مستحيلا. إن لبنان، كل لبنان، بطوائفه وفئاته كافة، يستقبل بثقة وإرتياح كبيرين بدء أعمالكم كما قرره وأعلنه حضرة الأمين العام للأمم المتحدة طبقا لقرارات مجلس الأمن. خلال الأشهر المقبلة، ستقدمون أفضل ما في خبرتكم وحكمتكم وعلمكم في سبيل تلبية نداء العدالة، بمثلها العليا، ومن أجل إعلانِ الحقيقة وتكريس حقوق السلام والأمن في بلد لطالما أضناه الإرهاب والإفلات من العقاب.
إن مستقبلنا، أيها السادة، يعتمد بشكل وثيق على المعركة التي تقودون اليوم في وجه الجريمة والإرهاب الأعمى، وفي وجه التزايد اللامتناهي لانعدام الضمير الذي يهدد، ليس بلادنا فقط، وإنما السلام الإقليمي، بل السلام العالمي. لا أحد في لبنان يتفهم ألا ينال المجرم، الذي تقر مسؤوليته ويثبت ذنبه، عقابه أينما وجد وكائنا من يكون. فالخسائر والتضحيات التي تكبدها بلدنا لا يعادلها سوى الأمل في أن نرى سعي محكمتكم أتى على قدر رسالتها. كم من الجرائم والاغتيالات التي يعود اليوم اختصاص النظر فيها إلى محكمتكم ارتكبت، في حين ان محكمتكم الدولية تؤلف وعدا بالحرية والحقيقة وسط كل الأخطار. في المقابل، ما من أحد يلومكم على تبرئتكم من يستحق التبرئة واعلانكم ذلك بصوت عال وحازم. وهذا هو السبب أيضا الذي يدفعنا الى التأكيد لكم بما تستشعرونه، وهو ان لبنان يعلق على نزاهتكم وإستقلاليتكم، على صرامتكم وفاعليتكم الأهمية الكبرى. إن فاعلية محكمتكم الجزائية الدولية تنتظر تجسيدها. نحن ندرك تماما أنه لن يوازي إستقلالكم وحسن درايتكم سوى حرصكم على إحقاق الحق أخيرا لأولئك الذين ينتظرون كشف المذنبين ومعاقبتهم. لذلك نتعهد وندعو الأفرقاء المعنيين كافة الى التعهد مثلنا، المحافظة على استقلالية عملكم واقتناعاتكم بمعزل عن أي تدخل سياسي.
وحدها العدالة النزيهة والمستقلة يمكنها أن ترد، بصورة حضارية، على بربرية الإرهاب الذي لم يتردد في الإفصاح عن إسمه، ولكن من دون الكشف عن وجهه. إن إصرارنا المتواصل على تحقيق العدالة والإنصاف، الذي نتشارك فيه مع كل منكم، هو أملنا ورجاؤنا في تحديد هوية الفرد أو الجهة الذي ألحق بلبنان وشهدائه هذا الكم من المآسي والإرهاب أيا يكن السبب. إن شعب لبنان، الذي يشهد له تاريخه الحضاري ثقافة وانفتاحا وتعددية، ينتظر منكم إحقاقا حاسما للحق. إن الشعب اللبناني بأمل وثقة ينتظر، أيها السادة، كلمتكم الفصل. وفقكم الله".
حوار مع الصافيين...
ثم دار حوار مع الصحافيين، سئل فيه وزير العدل: هل الذين أفرج عنهم امس باتوا أبرياء أو لا تزال عليهم شبهة ما؟
أجاب "أن كل ما يتصل بالتوقيفات وإخلاءات السبيل وبتقويم معطيات الملفات يدخل في صميم العمل القضائي". وأكد أنه يرفض "تدخل أي جهة أيا كانت في موضوع الاقتناعات القضائية والقرارات التي يعود فيها الفصل للجهة القضائية المعنية. وأقول بكل شفافية إن القضاء اللبناني سينصاع لكل تدبير أو قرار يتخذه القضاء الدولي سواء كان سلبا أو إيجابا. وأنا كقيم على هذا القطاع القضائي وكسلطة وصاية، لا أستطيع أن أكون قاضيا محل القضاة"
سئل: هل تلقى لبنان طلبا من المحكمة الدولية بإيداعها الملفات والموقوفين لديه؟ أجاب "ان هذه المحكمة ستبدأ أعمالها في الأول من آذار وأن قانون أصول المحاكمات سيقر في الأيام القليلة المقبلة، وأن نقل المتهمين أو الشهود أو ملفات معينة يتوقف على قرار يتخذه قاضي ما قبل المحاكمة بناء على طلب المدعي العام. وإذا جاء طلب كهذا، فإن القضاء اللبناني ملتزم، وفقا للأصول، تلبيته".
سئل عن توقيت إخلاءات السبيل أمس، فأكد "أنه لم يكن هناك أي سبب سياسي في موضوع إخلاء من تم إخلاء سبيله. أما في موضوع التوقيفات، فهذا الأمر يعود تكرارا الى القضاء المختص. وأكرر: مهما قررت المحكمة الدولية، سوف نستجيب لطلباتها. ولبنان وقضاؤه ملتزمان نصا وتوقيعا واتفاقات في هذا الموضوع".
وهل نقل الضباط الأربعة، في حال حصل، يحتاج إلى مجلس الوزراء أم لا، أوضح الوزير نجار "أن الأمر لا يحتاج إلى قرار من الحكومة بل يحتاج إلى تلبية لبنان وتنفيذه وقبوله القرارات التي تقررها المحكمة الدولية. وهذا لا يحتاج إلى إعادة تقويم سياسي تتدخل فيه السلطة التنفيذية في أعمال السلطة القضائية، وذلك إحتراما لمبدأ فصل السلطات".
وتابع: "ان لدى المحكمة مهلة شهرين من بداية آذار حتى نهاية نيسان كي تقرر من تريد نقله إلى هولندا ومن لا تريد نقله. ونحن ننتظر قرار المحكمة الدولية".
وعما قاله مقرر المحكمة في شأن عدم إدراج عملها تحت أحكام الفصل السابع، لفت وزير العدل إلى رأي قانوني مفاده "أن إنشاء المحكمة الدولية قد تم وفقا لأحكام الفصل السابع من شرعة الأمم المتحدة. وهذا لا يعني أن أعمال المحكمة ستكون مرعية بأحكام الفصل السابع، بحيث لن يكون في مقدورها أن ترسل جنودا أو كتائب مسلحة لجلب هذا المتهم أو الشاهد أو المسؤول في أي بلد من البلدان التي قد تكون معنية، كما حصل في يوغوسلافيا السابقة حيث حدثت ملاحقات وتدخلات عسكرية. لكن عدم إخضاع أعمال المحكمة للفصل السابع لا يعني أن المحكمة ستكون معدومة الفاعلية، فلدى المحكمة على الأقل نوعان من الإجراءات: إذ يمكنها أن تطلب من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إتخاذ بعض القرارات والتدابير. ويعود الى مجلس الأمن وفقا لآلية اتخاذ قراراته أن يستجيب أو لا. ويمكن أيضا المحكمة، أن تطلب متهما أو تظن بشخص ما أو تحاكمه غيابيا. وهذا خطير في ذاته. لأنه عند عدم مثوله ستعمم المذكرة على الحدود، وفقا لما ينص عليه النظام الجنائي العالمي، وهذا لا يقل خطورة عن إرسال الكتائب المسلحة لجلب هذا أو ذاك من البلد الموجود فيه. إذا، نحن أمام محكمة لها فاعليتها وننتظر منها الكثير".
وعما إذا قرر القضاء الدولي إخلاء الضباط الأربعة، قال: "إن القضاء اللبناني سيضطر الى استجابة طلبات المحكمة الدولية مهما كانت النتائج. فقد يكون نظام المحاكمات في لبنان مختلفا عن النظام الذي سيتم اعتماده في المحكمة. وسيتفهم لبنان أي قرار تصدره هذه المحكمة".
وأوضح "أن القضاء اللبناني يرفع يده عن الملف في ما يتعلق بصلاحية النظر في الدعوى إعتبارا من الأول من آذار. وهذا لا يعني أن دور القضاء اللبناني سيزول بل سيتابع دوره في سبيل تلبية طلبات المحكمة الدولية. والدليل أنه سيكون للمحكمة الدولية مقر في لبنان".
ورفض الوزير نجار الإجابة عن سؤال يتعلق بما إذا كان القضاة اللبنانيون الأعضاء في المحكمة إنتقلوا إلى لاهاي أم لا. وإذ أكد أن "ما من شيء يضمد الجراح كالحقيقة"، أجاب ردا على سؤال عن احتمال تسييس المحكمة أو خضوعها للمساومة أنه "إذا كانت محكمة دولية قوامها قضاة دوليون سينظرون في قانون أصول محاكمات تتوافر فيه أضمن وأفعل القواعد التي يقرها القانون في العالم، إذا كانت هذه المحكمة ستخضع للتسييس والتجاذبات فهذا من علامات الإنهيار الكامل للمجتمع الدولي. ولا أظن أننا في معرض ذلك".